المساء - شوف تشوف - رشيد نيني : كبوة القبطان

عندما نقرأ عناوين بعض الصحف والمجلات الصادرة أخيرا حول «اعترافات» الضابط السابق أديب، نتخيل أن أديب قد فضح الذين كانوا يختبئون وراء حربه المعلنة على الفساد في مؤسسة الجيش. ومنذ أن أصدرت مجلة «جون أفريك» في عددها الأخير حوارا مع القبطان السابق أديب، وعنونته هكذا «القبطان السابق أديب يتهم»، وقدمت له قائلة «بعد ست سنوات من إطلاق سراحه، «القبطان الحر» السابق يفضح الوعود الكاذبة للأشخاص الذين استعملوه. في مرماه يوجد إدريس البصري والأمير مولاي هشام»،
وبعض الجرائد المغربية تتناوب على ترجمة الحوار، مترجمة معه رغبة بعض الدوائر في إلصاق تهمة الخيانة والتآمر بالجهات التي استعملت القبطان السابق ودفعته إلى مهاجمة المؤسسة العسكرية.

والمدهش في هذه الزوبعة القادمة من باريس والتي أثارها القبطان السابق في فنجان بعض هيئات التحرير بالمغرب، هو التأويل والتحريف الذي أعطي لتصريحاته. فالرجل ينفي في كل الحوارات التي أعطى أي استعمال سياسي له من طرف البصري أو الأمير مولاي هشام، وأن ما دفع به إلى كتابة رسالة «يفضح» فيها الراحل إدريس البصري والأمير مولاي هشام، هو عدم وفائهما بوعودهما تجاهه.

فما هي هذه الوعود التي قطعها البصري قيد حياته والأمير مولاي هشام على نفسيهما تجاه القبطان السابق أديب، والتي لم يفيا بها إلى اليوم.
بالنسبة للبصري فقد وعد القبطان السابق بمساعدة مالية وبالتوسط له عند الاتحاد الأوربي. أما الأمير مولاي هشام فقد وعده بمساعدة مالية قدرها حوالي مائة مليون سنتيم، لكنه لم ير منها سوى الربع. ولهذا قرر أن يخرج عن صمته ليفضح هذا التماطل. بالنسبة للبصري فلا يجب أن يؤاخذه القبطان السابق على عدم وفائه بوعده، لأنه اليوم في دار الحق، والكفن كما يعرف القبطان السابق ليست فيه جيوب. لكن إذا كان الكفن بدون جيوب فإن للقبطان السابق اقتراحا آخر لتحصيل «دينه» من البصري، ولذلك قال في حواره مع إحدى الجرائد أنه ينتظر من ورثة البصري أن يدفعوا إليه المال الذي وعده به فقيدهم.

ومن غرائب الصدف أن الجريدة التي يطالب فيها القبطان السابق ورثة البصري بتسديد ديون والدهم تنشر ملفا خاصا تشرح فيه كيف تصفى ثروة إدريس البصري. لذلك يبدو أن القبطان السابق يريد أن يستفيد من هذه «التصفية» قبل فوات الأوان.

أما بالنسبة للأمير مولاي هشام، فالقبطان السابق غاضب عليه لأنه لم يدفع له سوى ربع المبلغ الذي وعده بمساعدته به. وبسبب ذلك يوجد اليوم على حافة الإفلاس، بعد أن تعذر عليه الحصول على عمل في مجال الاتصالات الذي درسه بباريس.

عندما نتأمل تصريحات وحوارات القبطان السابق أديب، نشفق فعلا على الرجل. وعندما نرى التحريفات والتأويلات التي أعطاها بعض الذين تعودوا كراء أقلامهم، نشفق عليهم أيضا. فالقبطان السابق الذي ارتبط اسمه بأشهر عملية فضح للفساد داخل الجيش في عهد محمد السادس، والقبطان الذي انتهى مرميا في السجن بسبب جرأته وشهامة موقفه، لا يطلب اليوم في منفاه الاختياري بباريس أكثر من مساعدة مالية. أكثر من ذلك، إنه يطالب ممن وعدوه بالمال أن ينفذوا وعودهم.

نعرف أن وضعية قبطان سابق عاش تجربة الاعتقال وهاجر إلى فرنسا ودرس وحصل على دبلوم لم ينفعه في الحصول على وظيفة، هي وضعية معقدة وصعبة. وهي وضعية تشبه كثيرا وضعية الآلاف من الأطر المغربية المهاجرة في أوربا وكندا وأمريكا. الله يحسن العون.
ونعرف أن كثيرا من الناس قد يوهمون البعض بإمكانية مساعدتهم في فترة من فترات حياتهم الحرجة. لكن هذا لا يعني أن كل من وضع يده في جيبه ولم يعثر على ما يسدد به ثمن القهوة سيخرج على الناس في الجرائد لكي يفضح أصحاب الحسنات الذين اقترحوا مساعدته ماديا ذات وقت ولم يفعلوا.
ولعل الخطير في الأمر هو هذا الاستغلال السياسي لغضب القبطان السابق من طرف الجهات التي تريد توريط البصري والأمير مولاي هشام في تحريك خيوط «حركة الضباط الأحرار» و تفجير القبطان أديب لفضيحة الفساد في الجيش على صفحات الصحافة الأجنبية.

ورغم أن القبطان السابق يقول بعظمة لسانه بأنه «ليس هناك أي حساب سياسي وراء رسالته» (حواره مع جون أفريك، عدد 2485)، إلا أن الدافع الرئيسي لمطالبته بالمال الذي وعدوه به هو حالته الاجتماعية المزرية، فإن مقدمة حوار «جون أفريك» وافتتاحية «أوجوردوي لوماروك» ومقالة «نعيم كمال» المطولة، كلها تتهم القبطان السابق بكونه كان مستعملا في مؤامرة مدبرة كانت تستهدف الملك محمد السادس بعد توليه الحكم، من طرف إدريس البصري وابن عمه الأمير مولاي هشام.

والهدف المعلن من هذه القراءات المحرفة لرسالة القبطان السابق هو سحب المصداقية عن الخطوة الجريئة والشجاعة التي قام بها القبطان أديب عندما فضح اليوتنان كولونيل سارق الوقود من الثكنة وأرسله إلى السجن بسنة حبسا، في الفترة التي كان فيها محمد السادس لازال وليا للعهد. ثم بعد سحب المصداقية عن خطوته الموالية عندما فضح الرشوة التي تنخر الجيش في جريدة «لوموند» الفرنسية عندما تولى الملك محمد السادس مقاليد الحكم، فانتهى هو هذه المرة في السجن مكان العسكريين المرتشين الذين فضحهم.

لسنا هنا في معرض الدفاع لا عن البصري وورثته ولا عن الأمير مولاي هشام. وإذا كانت هناك حسابات سياسية وعائلية بين ورثة البصري ومولاي هشام والعائلة الملكية، فهذه أمور تتعلق بهم، والقضاء هو المخول الوحيد بتوجيه الاتهام بالخيانة والتآمر والتواطؤ على الملك، وليس الصحافيون أو أشباههم.

ما أثارني شخصيا في هذه الزوبعة الصغيرة، هو أن هناك رغبة في تبييض واقع فاسد تعيشه المؤسسة العسكرية، سبق للقبطان أديب أن فضحه وذهب بسببه إلى السجن. فالذين يريدون إيهام الرأي العام بأن القبطان أديب لم يقم بفضح الفساد والرشوة داخل الجيش سوى استجابة لمخطط محبوك الغاية منه زعزعة استقرار العرش، فكأنما يريدون إقناع هذا الرأي العام بأن الفساد والرشوة داخل الجيش ليست سوى أوهام من اختلاق مخيلة قبطان متآمر يوجد في خدمة مخطط يسعى لإحراج الملك الشاب وزعزعة الاستقرار داخل مملكته، أي أن كل ما قاله القبطان أديب لم يكن في نهاية المطاف سوى تصفية حسابات سياسية لا غير.

وهذا هو الخطير بنظري في التناول الإعلامي المحرف لرسالة القبطان السابق، هذا التحريف الذي يبحث لكي يوقظ أشباح الماضي ودس الملح في الجرح المفتوح للعلاقة بين الملك وابن عمه الأمير الأحمر (وخا ماشي شي حمورية نيت).

وما يجب أن يعرفه «عمال النظافة» هؤلاء الذين يريدون تلميع صورة المؤسسة العسكرية، هو أنه بعد ست سنوات من إطلاق سراح القبطان أديب، زادت الرشوة داخل الجيش، ولم تتناقص. مثلما زادت نسبة الرشوة والفساد في سائر القطاعات الأخرى. ومنظمة «ترانسبارينسي» المغرب يمكنها أن تفيدكم في هذا المجال أحسن مني.

لذلك فالنقاش الحقيقي الذي طرحته معركة القبطان أديب قبل ست سنوات عندما فضح الفساد داخل المؤسسة العسكرية لا زالت صلاحيته لم تنته، بل إن هذا النقاش أصبح اليوم أكثر أهمية وحيوية من أي وقت مضى، لأنه يمس إحدى أهم دعائم الاستقرار السياسي والاجتماعي في المغرب.

لذلك فالسؤال الحقيقي ليس هو من حرك القبطان أديب لكي يفضح الفساد داخل الجيش، وإنما السؤال هو هل هذا الفساد داخل الجيش موجود أم غير موجود. هذا هو السؤال، أما الباقي فكله تفاصيل.

على القبطان السابق أن يكف عن البكاء والعويل في الجرائد والمجلات لمجرد أن أشخاصا وعدوه بالمال ولم يفوا بوعودهم. إذا كان أديب يريد الحصول على المال فما عليه سوى أن يشمر عن ساعديه ويشتغل أينما وجد مثلما يصنع كل الرجال عندما تضربهم الحيطان. عوض التذرع بالوعود من أجل استجداء المال السهل.

إن شخصا واجه مؤسسة شرسة مثل مؤسسة الجيش، ودفع ثمن جرأته وشجاعته من حريته، لا يستحق هذه النهاية المأساوية لمعركته.

مؤسف فعلا.

المساء - شوف تشوف - رشيد نيني : ديمقراطية سراق الزيت

كانت حلقة الأمس من البرنامج الساخر "حوار" مسلية للغاية. فقد اكتشف المشاهدون الكرام أن مصطفى العلوي لديه قدرة كبيرة على السخرية حرم منها التلفزيون المغربي بسبب جديته المفرطة في تغطية الأنشطة الملكية. واكتشف المشاهدون أن الصحافيين الذين استدعاهم البرنامج اتفقوا على مناداة وزير الإعلام بمعالي الوزير، مع العلم أنه حضر بقبعته الحزبية وليس الوزارية.

واكتشف الجميع أن معالي الوزير لا يفرق بين اقتصاد الريع واقتصاد الرعي، مع أن معاليه لديه دبلوم في الترجمة فتح به مكتبا في وسط الرباط وغادره عندما نودي عليه ليجلس فوق كرسي الإعلام الذي كان يجمع بينه وبين كرسي الثقافة معالي وزير آخر اسمه الأشعري.

طرح الزملاء الصحافيون كثيرا من الأسئلة على نبيل بنعبد الله. وهي أسئلة في مجملها جاء الوزير مستعدا لها بتقطيب الجبين والكثير من النبرات حادة في الصوت. وكم كان منظر معالي الوزير مضحكا عندما حاول أن يقلد زميله في الحكومة فتح الله والعلو أيام كان في المعارضة، وخبط على طاولة البلاطو براحة يده وهو يصرخ مخرجا عينيه في المشاهدين بأن حزب التقدم والاشتراكية لن يسمحب استمرار "اقتصاد الرعي"، قبل أن يتدارك الخطأ ويعوض الرعي بالريع. وأن حزب التقدموالاشتراكية سيحارب الفساد واستغلال النفوذ.

مع أن الجميع لاحظ كيف أن نواب حزبه فيالبرلمان ضربو الطم عندما تورط موظف سامي كمنير الماجدي في فضيحة استغلال النفوذعندما فوت له وزير الأوقاف أرض الأحباس بتارودانت. وكأن هذا الاستغلال الفاضحللنفوذ لا يدخل ضمن خانة الفساد الذي يريد نبيل بن عبد الله محاربته في الحكومةالمقبلة التي أراد أن يفهمنا من خلال البرنامج أنه سيدخلها بزز.وشخصيا أعتقد أن أهمسؤال طرح خلال البرنامج هو السؤال الذي طرحه "النجم" مصطفى العلوي، فقد أصبح واضحااليوم أن "نجم" برنامج حوار هو العلوي نفسه، لأنه يتجرأ ويطرح الأسئلة التي يخاف أويخجل بعض الصحافيين من طرحها على ضيوفه. والسؤال الهام الذي طرحه العلوي على معاليوزير الاتصال، والذي بدا لي شخصيا مهما للغاية، هو مشكلة الصراصير في المغرب، وهللدى الحكومة المقبلة استراتيجية واضحة للقضاء على هذه الحشرات.قلت في نفسي أنهأخيرا تجرأ أحدهم في التلفزيون وطرح سؤالا مهما يمس الحياة اليومية للمواطن علىوزير في الحكومة ومرشح للانتخابات المقبلة.

فالصراصير قضية تعيشها كل العائلاتالمغربية وتبحث لها عن حل طيلة السنة بلا فائدة. ومع ذلك ليس هناك أي حزب سياسيمغربي تواضع وفكر في صياغة سطر أو سطرين في برنامجه الانتخابي يتعهد فيه بالنضالبكل الوسائل السياسية الممكنة للقضاء على الصراصير.المغاربة تعبوا من الوعودويريدون شيئا ملموسا، لذلك فكلام معالي وزير الإعلام وهو يخبط مكشكشا على الطاولةمحذرا المفسدين من صعود حزبه للحكومة، هو كلام للاستهلاك الإعلامي لا غير، فلو كانينفع خبيط الطبالي في السياسة لكنا طفرناه من وراء والعلو الذي لم يخبط قبله ولابعده وزير نصف ما خبطه من طبالي في البرلمان. لذلك فكل من شاهد نبيل بن عبد اللهيخبط بقبضة يده تلك الطاولة، التي يتبرع بها الفندق على برنامج "حوار"، قال في نفسهما يقوله أشقاؤنا المصريون :- كان غيرك أشطر...وشخصيا أنا متفق مع وزير الاتصالعندما يقول بيقين شبه تام بأن حزبه سيرجع إلى الحكومة إلى جانب حلفائه ليتمم بناءما بدأه. فهناك الكثير من الوزراء بدؤوا البناء فعلا، خصوصا بناء الفيلات على شواطئالبحر ولم يكملوها بعد، لذلك يجب أن نساعدهم لكي يعودوا إلى الحكومة حتى يكملواالبناء والتشييد. وبنظري فإن الأحزاب التي تتحدث اليوم بتفاؤل كبير عن ملايينالمناصب التي سيخلقونها بمجرد وصولهم إلى الحكومة، يجب أن يفكروا في إعادة صياغةبرامجهم الانتخابية وأن يوحدوا جهودهم السياسية والنضالية في محاربة شيء واحد فقط،الصراصير. وإذا نجحوا في هذه المعركة السياسية فإنهم سيعطون المثال على الوفاءبالعهود التي قطعوها على أنفسهم أمام الشعب.

ولو أن رأيي الشخصي هو أن الحكومةستفشل في حربها ضد الصراصير لسبب رئيسي واحد، وهو أن الصراصير تعلمت الديمقراطيةوتطبقها يوميا، عكس أحزابنا السياسية التي تعلمت فقط كيف تعطي دروس في الديمقراطيةللآخرين بينما هي تطبق داخل أجهزتها الدكتاتورية والزعامة مدى الحياة.وحتى يتعرفمعالي وزير الاتصال على بعض ملامح ديمقراطية الصراصير التي يريد القضاء عليها،ليسمح لنا أن نحيله على الدراسة العلمية المعمقة التي نشرتها مجلة "أعمال أكاديميةالعلوم القومية" الأمريكية، والتي عرضت قناة "ديسكوفري" المتخصصة نتائجها، والتيتؤكد أن كل صرصار يتمتع باستقلاله الذاتي، إلا أن الصراصير تتعاون معا في عمليةديمقراطية بسيطة جدا. أما اتخاذ القرارات المشتركة فيأتي بعد التداول في الأمورجماعيا. وذكر باحثون في الجامعة الحرة ببروكسيل، أن الصراصير من فئة "بلاتيلاجرمانيكا" تمتاز بالكفاءات الديمقراطية، إذ يتعامل كل صرصور مع الآخر اعتمادا علىوسائل اتصالات عن بعد ووسائل كيميائية وبالتلامس وبالنظر.

وإذا كانت الصراصير تتفوق على الطبقة السياسية في تطبيق الديمقراطية الداخلية، فإن الطبقة السياسية تنافس الصراصير على القدرة على الصمود ضد الانقراض. فالزعماء السياسيون عندنا شبه خالدين،تمر العقود تلو العقود وهم جالسون فوق كراسي الزعامة لا يزحزحهم مرض ولا شيخوخة ولاخرف.وهذه القدرة على البقاء يتميز بها الصرصار أكثر من غير من الحشرات، وإذا كان عمر الإنسان على هذه الأرض لا يتجاوز أربعين ألف عام فإن عمر الصرصار على وجه الأرضيتجاوز 150 مليون سنة.

ومنذ أن ظهرت الصراصير تعرضت الأرض لخمس موجات انقراض تسببت كل موجة في إبادة تسعين بالمائة من مخلوقات البر والبحر، وفي آخر موجة انقراض هلكت الديناصورات والثدييات العملاقة فيما أفلتت الصراصير بآذانها الطويلة لخامس مرة.

وهناك في طبقتنا السياسية من عمره مثل عمر المش، لديه سبعة أرواح، بحيث أفلت منالإعدام ولم تصور منه القنبلة الموقوتة شيئا، وخرج من أسوأ المعتقلات "صح من ظالم"،استطاع أن يعيش ويرى هلاك رفاقه وانقراضهم بسبب المرض والأجل المحتوم، فيما هو صامدأمام "موجات الانقراض" هذه مثل صرصور حقيقي.وهناك صفة مهمة يشترك فيها الصرصارالحشري مع الصرصار البشري، السياسي تحديدا، وهي أن كلاهما بلا قلب. فالصرصار كائنلا يعاني من أمراض القلب، لأنه ببساطة لا يملكه، وكل ما تتوفر عليه هو أنابيب ضاغطةتحرك الدورة الدموية في الاتجاهين. وهذه الميزة تجعل الصراصير لا تعرف شيئا اسمهالتعب أو ضعف اللياقة.

والسياسي أيضا كائن بلا قلب، ومنهم من لا يربي الكبدة علىحزبه أبدا، وبين جمهور برنامج "حوار" كان ممكنا أن نرى البرلمانية كجمولة بنت عبي،والتي تعتبر المثال الأكثر وضوحا على السياسي الذي لا يربي الكبدة على حزبه. فقدخرجت أول الأمر من صفوف تنظيم نسائي في البوليساريو وجاءت إلى حزب الحركة الشعبية،ومجرد ما علمت بأن حزب الحركة الشعبية ذي الأصول اليمينية لن يضعها على رأس اللائحةغادرته ودخلت حزب نبيل بن عبد الله ذي الأصول الشيوعية. وهي اليوم تفاوض إسماعيلالعلوي على رأس اللائحة للانتخابات المقبلة وإلا ستجمع باليزتها وتذهب لتبحث لنفسهاعن حزب يضعها فوق رأسه.

في الحقيقة كنت أنتظر من مصطفى العلوي أن يستحضر في برنامجهحكاية الصرصار والنملة، عوض مطالبته لوزير الاتصال ببرنامجه الحكومي في القضاء علىالصراصير. فحكاية الصرصار والنملة تنطبق تماما على الحالة التي توجد عليها الأحزابالسياسية اليوم. فقد وقع لهم ما وقع للصرصار الذي قضى فصل الصيف كاملا في الزهوواللهو يلعب الكمانجة ويسخر من النملة المجدة التي لم تكف عن جمع الحبوب استعداداللبرد. وعندما حل فصل الشتاء اكتشف الصرصار أنه لم يذخر أي طعام يقاوم به أشهرالبرد الطويلة، فجاء يستعطف النملة أن تمنحه القليل من الطعام فذكرته بكل الكلماتالساخرة والشتائم التي كان يكيلها لها عندما كانت تمر من أمامه حاملة حبات القمحفوق ظهرها.فبكى الصرصار بكاء حارا وندم على كل الوقت الذي ضيعه وراء الحفلات الراقصة مزهوا بكمنجته وصوته.طوال عشر سنوات والأحزاب المشاركة في الحكومة نائمة في العسل، تجد وزراءها في كل المهرجانات الموسيقية. عجزوا عن توفير الشغل والصحة و الأمن والكرامة والعدل للمواطنين، واليوم يأتون إلى التلفزيون شبه باكين مستعطفين لكي نمنحهم القليل من أصواتنا حتى يعودوا إلى مهرجاناتهم و إقاماتهم الوزارية و دواوينهم الدافئة ورواتبهم السمينة.

شوف تشوف - رشيد نيني : بكل روح رياضية

بما أن الوزير الأول عباس الفاسي كشف في اجتماعه الأخير مع رؤساء تحرير الصحف والمجلات المغربية أنه راسل كل وزرائه يحثهم على ترشيد النفقات، فإننا نتساءل لماذا لم يطلب من وزيرته في الشبيبة والرياضة نوال المتوكل أن تدعو إلى عقد جمع عام لجامعة كرة القدم، لتقديم تفسير للفاتورة الثقيلة التي كلفتها المشاركة الأخيرة للمنتخب في بطولة إفريقيا، والتي وصلت إلى خمسة ملايير سنتيم ونصف.

وعوض أن يفتح الوزير الأول تحقيقا في هذه الفضيحة فتح مكانه الجنرال حسني بنسليمان ذراعيه لاستقبال أعضاء المنتخب وأعضاء الوفد المغربي في المطار استقبالا رسميا بحرارة وابتسامة «حتى للودنين» كما لو أنهم جاؤوا معهم بالكأس من غانا. فقط كان ينقص أن يعزف لهم النشيد الوطني وتفرش لهم السجاد الأحمر «باش تجي الحمورية ديال الزربية أصورتي مع حمورية الحشومة» التي تعلو وجوههم.

نعرف أن عباس لم يكن يوما رياضيا يفهم في أمور الكرة، لكن نوال المتوكل الخبيرة في «التنقاز» على الحواجز تعرف أحسن من غيرها أن الجامعة الملكية لكرة القدم ملزمة حسب مقتضيات القانون بعقد جمع عام خمسة عشر يوما قبل انطلاق البطولة الوطنية. وإلى حدود اليوم مرت أربع سنوات دون أن ينعقد ولو جمع عام واحد.

والمضحك في الأمر هو أن الفريق الاستقلالي في البرلمان، المساند الرسمي لحكومة عباس، شرب حليب السباع وطالب بعقد لجنة للقطاعات الاجتماعية في البرلمان للنظر في هزيمة المنتخب المغربي بغانا. ولم يستطع الفريق الاستقلالي أن يطالب بإحضار الجنرال حسني بنسليمان إلى البرلمان لكي يقدم تقريرا شاملا لفضائح الجامعة المالية التي يوجد على رأسها منذ 1994.

ليس هنري ميشيل وحده هو الذي يجب أن يعلق اليوم ويصلب على صفحات الجرائد. وليس لاعبو المنتخب وحدهم هم الذين يجب أن يتحملوا المسؤولية في هذا التبذير الفاضح لأموال دافعي الضرائب. إذا كان هناك اليوم من مسؤول على هذه الفضيحة الرياضية والمالية فهو الجنرال حسني بنسليمان، الذي عوض أن يحترم ثلاثين مليون مغربي ويقدم الحساب، قرر أن يفتح تحقيقا مفصلا حول تصريحات بعض لاعبي المنتخب الذين تحدثوا إلى الصحافة وعبروا عن تذمرهم من الأجواء التي سادت داخل الوفد المغربي بغانا.

خصوصا بعد كل تلك الروائح «الزكية» التي فاحت من داخل الوفد الجامعي المرافق للمنتخب، والذي فضل بعض أفراده تخصيص وقتهم للسياحة والاستمتاع بالليالي الإفريقية الساخنة عوض التفرغ لتلبية مطالب أعضاء المنتخب. ومنهم من فضل التوجه لقضاء رحلة استجمام على ضفاف بحيرة «أكوصومبو»، ومنهم من فضل «التقصار» مع «رحيمو» و«عبير» في مطعم لبناني، وفي الأخير رفض دفع الفاتورة التي وصلت إلى 800 دولار ودفع 500 دولار فقط، فيما ضربت «البنات» النفس ودفعن 300 دولار المتبقية للبناني حفظا لماء وجه المغرب.

وشوفو هاد المصيبة، صيفطناهم لغانا يجيبو الكاس صدقو باركين كايضربو الكاس.

والواقع أن المنتخب الحقيقي هم أعضاء هذا الوفد الجامعي، «وشكون بحالهم» فقد كان يتقاضى كل واحد منهم 450 أورو لليوم، فيما لاعب المنتخب الذي يدافع عن القميص في الميدان لا يتقاضى في اليوم سوى 200 أورو. ولا بد أن لحكل، أو «مول الشكارة» الذي يحمل معه دائما «موزيط» منفوخ بالدولار والأورو، يعرف سبب هذا «التهلو» المبالغ فيه لصالح أعضاء الوفد الجامعي.

فمنذ أن جاء لكحل أول مرة إلى الجامعة، بصدفات ناقصة في بذلته، سنة 1995 بتوصية شخصية من حسني بنسليمان، وهو لا يلهج سوى باسم هنري ميشيل. والذين يصبون اليوم غضبهم على هنري ينسون أن من أتى به سنة 1996 وحماه ودافع عنه ليس سوى الكوموندان لكحل، الذي ترقى اليوم إلى مرتبة كولونيل. والعارفون بما يجري ويدور في محيط الكولونيل يؤكدون أن «لصوقه» على هنري لم يكن فقط من أجل سواد عيونه.

خيط المحبة بين لكحل وهنري لم ينقطع يوما. وحتى عندما تخلت الجامعة عن هنري وعوضته بالمدرب كاسبيرزاك وبعده بالمدرب كويلو ثم بادو الزاكي، فإن لكحل ظل يقاوم من أجل رجوع صديقه هنري. والسبب حسب العارفين هو أن المدربين الذين تعاقبوا بعده على المنتخب لم يكونوا يحسنون تمرير «الكواري» جيدا. وربما هذا ما يفسر الطريقة الغامضة والمهينة في التخلي عن بادو الزاكي، بعد كل النتائج الطيبة التي أحرزها المنتخب بقيادته.

تقنية تمرير «الكواري» و«حط ليه مزيان باش يماركي» تقنية لا يفهمها بعض اللاعبين المغاربة، ولذلك يتم إقصاؤهم من اللعب في صفوف المنتخب. والذين يفهمون رؤوسهم جيدا ويحملون معهم في حقائبهم أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف المتطورة وحتى مستحضرات تقوية الشعر للذين يشكون من تناقص «الشعور» (الوطني) في رؤوسهم، فإن حظوظهم في اللعب ضمن التشكيلة تتضاعف.

ولعل الجميع استغرب كيف أن لاعبا مثل منصف زرقة لم يلعب ضمن فريق نانسي بفرنسا سوى عشرين دقيقة في كل البطولة الفرنسية بسبب إصابته، استطاع أن يدخل للعب مع المنتخب ضد غينيا. رغم أن هنري ميشيل ظل يردد بأنه لن يقبل ضمن التشكيلة الوطنية سوى اللاعبين الجاهزين. فهل أن تكون جاهزا هي أن تكون معطوبا وليس في رصيدك سوى عشرين دقيقة من اللعب طيلة البطولة.

وفقط على سبيل المقارنة كيف يمكن أن يفسر لنا هنري ميشيل إدخاله للاعب غير جاهز للعب ضد غينيا وتركه للاعب طلال القرقوري في دكة الاحتياط، مع أن هذا الأخير كان عميدا للمنتخب طيلة سنوات. فالجميع يعرف أن طلال القرقوري يرفض الامتثال لمنطق «حطان الكواري» لكي يسجل هذا الكولونيل أوغيره أهدافهم السهلة.

ولكي نفهم أن ما يحدث داخل الجامعة الملكية لكرة القدم لا علاقته له بالرياضة وإنما بالفساد، يجب أن نعيد قراءة ما قاله اللاعب عبد الحق آيت العريف لجريدة قطرية قبل أن يذهب المنتخب لغانا، خصوصا عندما قال بأن عملية اختيار بعض لاعبي المنتخب عملية تتحكم فيها الفلوس. مما أثار عليه غضب لكحل ومصمم وأوزال، فاضطر إلى سحب تصريحه واتهم الصحافي المصري بتحوير أقواله.

الجميع يعرف أن الجنرال حسني بنسليمان رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم لا يأتي إلى مقر الجامعة. فهو مشغول بالدرك والعسكر وقناص تارغيست وحماية المواكب الملكية. ولذلك فالذي يقرر مكانه في الجامعة هو الكولونيل لكحل ومعه الجنرال نور الدين قنابي والكولونيل مختار مصمم. وكلهم ينتمون إلى العسكر. بالإضافة إلى خمسة أعضاء آخرين ليس لهم الحق في الوجود ضمن المكتب الجامعي وهم أوزال والعربي بنشيخ وحميد الصويري وسعيد بلخياط والعربي العوفير، لكونهم لا يمثلون سوى أنفسهم وليست لديهم أصلا فرق يرأسونها.

ومن غرائب قوانين جامعة حسني بنسليمان أنها تمنحه الحق لكي يعد لائحة لعشرين عضوا يختارهم حسب ذوقه، ويقدمهم لانتخابات أعضاء المكتب الجامعي لكي يتم اختيار ثلاثة عشر عضوا بينهم. وغالبا ما يغيب «عنصر المفاجأة» (حسب لغة المعلقين الرياضيين) عن هذه الانتخابات، لأن السادة الأعضاء ليس بينهم واحد يستطيع أن يعترض على لائحة الجنرال. وهذا طبيعي، لأنه ليس هناك أحد في الجامعة يستطيع أن يقول للسبع «فمك خانز».

الجامعة الملكية لكرة القدم اليوم تعرف أن «الما عام عليها» من كل جانب، وهزيمة غانا كانت النقطة التي أفاضت الكأس. ولذلك سارع مسؤولو الجامعة إلى تحذير المدربين المغاربة والأجانب من خطورة فتح أفواههم للصحافيين وانتقاد أداء المنتخب في غانا وإحصاء أخطاء المدرب هنري ميشيل. وهم يعتقدون أن تجفيف منابع المعلومات على الصحافيين (الحقيقيين وليس الطبالة والغياطة) من شأنها أن تترك دار حسني بنسليمان على حالها. ولعل بعض هؤلاء الصحافيين الطبالة هم الذين قصدوا مقر السفارة المغربية بغانا وطلبوا من السفير ألف دولار للرأس. ومنهم واحد انتحل صفة صحافي بـ«المساء»، مع أننا لم نعتمد أي صحافي لتغطية البطولة الإفريقية.

على الذين يطالبون اليوم في البرلمان بعقد لجنة للقطاعات الاجتماعية لتدارس هزيمة غانا أن يتحلوا بالشجاعة السياسية اللازمة ويطالبوا بإحضار الجنرال حسني بنسليمان ورجال القش الذين يختفي وراءهم إلى البرلمان لكي يشرحوا للشعب المغربي كيف صرفت الجامعة خمسة ملايير ونصف في غانا على المنتخب واللجنة المرافقة له في بضعة أيام. وكيف صرفت لهنري ميشيل 300 مليون مكافأة له على هزيمة نكراء، وهو المبلغ الذي يساوي رواتب 300 موظف مغربي صغير طيلة عشرة أشهر. وكيف يوافق الوزير الأول عباس الفاسي الذي يتشدق برسالته لوزرائه حول ترشيد النفقات على التوقيع على راتب هنري ميشيل الذي يصل بالضبط إلى 66.66 مليون سنتيم لا غير، في بلد فقير كالمغرب.

على البرلمان أن يتحمل مسؤوليته في هذه الفضيحة الرياضية، وعلى المتورطين في هذه الفضيحة أن يعترفوا بفشلهم، بكل روح رياضية طبعا. إذا كانت ما تزال لديهم روح أصلا.

شوف تشوف - رشيد نيني : عباس والعيالات

بعد أن وافقت حكومة عباس في شخص وزيرها في الشغل على إرسال آلاف النساء المغربيات للعمل في حقول إسبانيا. وبعد أن سكت عباس عن تلك الطريقة المهينة التي تم بها اختيار النساء المرشحات للعمل، خصوصا عندما اشترطت لجنة «الكاستينغ» أن تكون المرشحات مشققات الأيادي، ومتعودات على العمل المضني وأن يكن متزوجات ولديهن أبناء، حتى يضمن مشغلوهن عودتهن إلى المغرب بعد انتهاء فترة عملهن.

بعد هذه الإهانة الحكومية للمرأة المغربية، جاء عباس الفاسي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة لكي يطالب في ندوة أمام وسائل الإعلام بإطلاق أسماء النساء المغربيات على الشوارع والأزقة وتغيير اسم «المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير» إلى «المندوبية السامية لنساء ورجال المقاومة وأعضاء جيش التحرير».

وكأن مشكلة المرأة المغربية في نظر الوزير الأول ستحل بمجرد إطلاق أسمائها على الشوارع والساحات وتأنيث أسماء الهيئات والمندوبيات.

وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي خلده عباس نود أن نسأله نيابة عن كل النساء الموظفات في المغرب عن السبب في ذلك الحيف القانوني الذي يعشنه منذ الاستقلال إلى اليوم. فالقانون المغربي ينص على صرف راتب معين لزوجة وأبناء الموظف عندما يتوفى حتى ولو كانت الزوجة موظفة، لكنها لا تصرف ريالا واحدا لعائلة المرأة الموظفة عندما تتوفى. وقد كانت أحسن هدية يمكن أن يقدمها الوزير الأول للنساء الموظفات المغربيات هو المساواة بينهن وبين الرجال الموظفين في الحقوق، أحياء وأمواتا.

وإذا كان عباس يكرم الموظفات بالكلام المعسول، فإن القباج والي الدار البيضاء كرم موظفات ولايته بوروة حمراء وزعها عليهن في احتفال نظمه على شرفهن سالت فيه كؤوس العصير وأطباق الحلويات. وعندما سمع العمدة ساجد بخبر الورود قرر أن يهدي لكل موظفة من موظفات مجلس المدينة محبقا كاملا من الورود. ولم يكتف ساجد الشلح بالمحبق وإنما إمعانا في قليان السم للفاسي القباج أهدى كل واحدة من موظفاته سلسلة من الذهب مزينة بخميسة.

ولعل عباس الذي تحمس يوم الثامن من مارس للحديث حول النساء يجهل أن حكومته هي الأقل شعبية في نظر النساء بين كل الحكومات التي مرت. وللتأكد من ذلك يكفي أن يعيد عباس الإطلاع على أشرطة الوقفات الاحتجاجية ضد ارتفاع الأسعار التي عرفتها أغلب مدن المملكة.

وسيلاحظ أن أغلب المحتجين هن نساء يحملن علب الحليب ويلوحن بقناني الزيت الفارغة ويرفعن فوق رؤوسهن أرغفة الخبز اليابسة.
فالمرأة المغربية هي المتضررة الأولى من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية. وأغلب البيوت المغربية تعتبر فيها المرأة هي الآمرة بالصرف. فهي التي تنزل إلى الأسواق وهي التي تفاوض في الأثمان لكي تحافظ على التوازنات المالية للعائلة. وكل عائلة مغربية فيها مزوار «على قد الحال» يتدبر ميزانية الشهر ويحاول جهد المستطاع أن يصل إلى نهايته بأقل الديون الممكنة.

وليسمح لنا عباس الفاسي الذي تقول حكومته أن الأسعار مستقرة ولا تعرف أي ارتفاع أن نقرأ عليه بعض الإجراءات الصارمة التي لجأت أغلب العائلات المغربية إلى تطبيقها على موازنتها الحالية، حتى تضمن الاستمرار. فإلى جانب الاجتماعات الحكومية الأسبوعية التي يعقدها الوزير مع أعضاء حكومته، هناك اجتماعات مصيرية يعقدها بعض أرباب العائلات مع أبنائهم وزوجاتهم لاتخاذ قرارات صعبة. تقول محاضر أحد هذه الاجتماعات المصيرية الموجهة من طرف أحد الآباء إلى بقية أفراد أسرته ما يلي: «أولا ممنوع منعا كليا من اللحظة والساعة أن تستعملوا الزيت الرومية في القلي. انسوا السمك والفريت وكل ما يحتاج قليه للزيت. ثانيا يمنع منعا كليا صنع الحلويات والرغايف والحرشة وكل ما يحتاج إلى الدقيق والسميد في صناعته، باستثناء الخبز اليومي. ثالثا يمنع منعا كليا شرب الحليب والشاي وأي مشروبات تقليدية، ويتم استبدال كل ذلك بليبطون، فهو الوحيد الذي لم ترتفع أسعاره في السوق ويحتاج فقط إلى الماء. رابعا يمنع منعا كليا استعمال السكر حفاظا على الصحة ووقاية من الأمراض. والحاضر يعلم الغائب وقد أعذر من أنذر».
انتهى محضر الاجتماع.

ويبدو أن عباس يحسن الغزل أكثر من أي شيء آخر، خصوصا في موضوع النساء. ولذلك عوض أن يتقدم للمرأة المغربية في يوم عيدها بمقترحات قوانين ملموسة تحفظ لها حقوقها القانونية والشرعية، اختار أن يتغزل في الطريقة الجيدة التي تدبر بها المرأة الشأن العام، ووصفها بأنها أحسن من طريقة تدبير الرجل. وفي هذه عباس على حق، فلم يحدث في تاريخ الحكومة المغربية أن تسببت امرأة في فضيحة نصب على ثلاثين ألف مغربي كما حدث في عهده عندما كان وزيرا للشغل.

على الأقل النساء لسن مرتشيات بالقدر الذي عليه بعض الرجال، ويتمتعن بحس المسؤولية ولديهن رغبة دفينة في النجاح وتحقيق ذواتهن. الرجال في السياسة ميالون إلى الكذب والنفاق والانتهازية، عندما يصبح أحدهم وزيرا أول شيء يقوم به هو تغيير رقم هاتفه، دون أن ينسى طبعا تغيير زوجته.

وأكثر من وزير عندنا غير زوجته خلال فترة وجوده بالحكومات المتعاقبة، أما الذين غيروا معاطفهم فبلا عدد. قد يقول لي أحدكم أن تغيير المنازل راحة، لكن أن يغير الواحد منا زوجته التي ضحت بشبابها ومالها من أجله وتذوقت معه الحلو والمر بأخرى لم تتذوق معه سوى أطباق الكافيار في المطاعم الراقية، فهذا تصرف يكشف عن احتقار دفين للمرأة.

وتبقى النساء في نظر الكثيرين هن الحاكمات الحقيقيات اللواتي يحركن رجالهن من خلف الستار. وكم من سياسي كبير(في السن طبعا) لا يحرك إصبعه الصغير دون إذن مسبق من زوجته الشابة. الله يعز لحكام !

وفي كثير من البيوت المغربية تبقى المرأة هي مولات الدار الحقيقية. إليها تعود كل القرارات، من لون الستائر إلى شكل العرائس التي سيتزوجها أبناؤها، مرورا بالإشراف المباشر على شؤون البزطام.

وكم من زوج لا تترك له زوجته من راتبه آخر الشهر سوى ثمن السجائر والقهوة، وإذا كان مبليا بالقمار تترك له ثمن سباق كلاب واحد أو سباقين. وهذا من مصلحة بعض الرجال، لأنهم بمجرد ما يتسلمون رواتبهم حتى يذهبون بها مباشرة إلى البارات ومحلات القمار ليخسروها في الشرب والمراهنة على الطوكارات.

والحقيقة أن السياسة نفسها في المغرب مجرد سلسلة من المقامرات المضحكة، هناك من دخلها بلا رصيد نضالي وقمر على ح**** وزارية فطلع له الجوك وأصبح ثريا يملك المراكب في أعالي البحار والضيعات الواسعة حيث يربي الأبقار الهولندية. فغير السوليكس بالسيارة، وانتقل من دور الكراء إلى فيلا فسيحة في بير قاسم، وطلق الشيبانية وأتى بالشابة لتعيده إلى صباه. وهناك من قمر برصيده النضالي الثمين كاملا فخرج من اللعبة السياسية خاسرا، وأصبح مجبرا على العيش على أمجاد الماضي وهو يرى أشباه القردة يتقافزون فوق رأسه. وهذا طبيعي، فالمغاربة يقولون «الغابة اللي مافيهاش السبوعا القرودا كايديرو فيها الطرابش».

نحتاج فعلا إلى وزير أول ومنظمات نسائية يتحدثون ويدافعون عن المرأة المغربية. ليس فقط المرأة التي تسوق سيارة ساكسو وتدخن مالبورو لايت وتذهب إلى مراكش نهاية الأسبوع لتسهر في الباشا، ولكن أيضا المرأة التي تقشر السردين في المصانع النتنة، والمرأة التي ترتب صناديق الحوامض في الثلاجات الباردة للشركات المجهولة الاسم، والمرأة التي تنحني لتنظف مكاتب الوزارات وتفرغ سلال قمامتها عندما يغادر الموظفون الكبار إلى بيوتهم في المساء، وتبقى هي تنظف المكاتب بأطراف المناديل وتجفف دموعها بأطراف ثيابها الرثة.

شوف تشوف - رشيد نيني : هوت راديو

يستعد حكماء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لإعطاء الضوء الأخضر للدفعة الثانية من التصاريح. هكذا من المنتظر أن يمنح الحكماء الموافقة لقناتين تلفزيونيتين وخمس محطات إذاعية خاصة.

والجديد في تصاريح هذه الموجة أن دفتر التحملات سيعرف بعض التعديلات، منها التناسق والتماهي بين فكرة البرنامج وتوقيت برمجته والجمهور المستهدف.

أعتقد أن الوقت الذي يفصل بين انطلاق الموجة الأولى من تصاريح الإذاعات الخاصة وبين انطلاق تصاريح الموجة الثانية كاف لإصدار بعض الملاحظات حول مستوى الخدمات الإعلامية والترفيهية والموسيقية التي تقترحها هذه الإذاعات. كما أن هذا الوقت كاف لإثارة انتباه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لخطورة بعض الانحرافات التي تروج لها بعض المايكروفونات الليلية التي ترفع شعار «لا شيء ممنوع كل شيء مباح».

قبل أشهر من اليوم قررت هيئة الاتصال السمعي البصري تغريم مدير إذاعة «هيت راديو» مخالفة قدرها عشرة ملايين سنتيم، عقابا له على إخلاله بأحد بنود دفتر التحملات وأخلاقيات المهنة، ومنها فقدان أحد منشطي برامجه للسيطرة على زمام برنامجه المبثوث مباشرة على الهواء. بحيث سقط المنشط في فخ الانسياق وراء تبسيط النقاش حول المخدرات والخيانة الزوجية والشذوذ، والسخرية من المتدخلين وعدم قدرته على التحكم في البث وتسيير النقاش نحو الجدية والمهنية التي تتطلبها مواضيع حساسة مثل هذه.

اليوم يبدو أن هذه الإذاعة الخاصة عليها أن تتقدم بطلب للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري لكي تعدل من اسمها حتى يصبح «هوت راديو» عوض «هيت راديو».

فالبرنامج الليلي الذي يقدمه المنشط الذي يلقب نفسه «مومو»، أصبح يخصص جزأه الأخير الذي يمتد إلى منتصف الليل لأحاديث ومكالمات بورنوغرافية محضة. تستعمل فيها لغة جنسية واضحة للحديث عن مغامرات واقتراحات بممارسة الجنس، تتخللها إشارات وأصوات مائعة تخاطب الغرائز الجنسية لجمهور البرنامج المكون أساسا من المراهقين.

ولعل خطورة مثل هذه البرامج أنها تقدم نفسها كفضاءات إذاعية للاستماع إلى مشاكل المراهقين والشباب للبحث معهم عن حلول لها عبر الهواء. واليوم بفضل انتشار الهاتف المحمول، أصبح جل المراهقين والمراهقات لديهم خدمة الراديو في هواتفهم، ولذلك نجد أن هذا البرنامج يحظى بنسبة متابعة كبيرة مقارنة بالبرامج الأخرى. وهذا ما يدر على المحطة مداخيل محترمة بفضل خدمة الرسائل القصيرة التي يبعث بها المراهقون إلى معد البرنامج للمشاركة، أحيانا تحت تأثير التهييج الجنسي الذي تبرع فيه إحدى «المتصلات» التي تسمي نفسها «كلارا مورغان» تيمنا باسم ممثلة البورنو الفرنسية المشهورة.

وإليكم بعض نصائح الخبيرة «كلارا موغان» برنامج «مومو» التي يطلق عليها لقب «المرأة الأسخن بين كل النساء الساخنات». أو كما يقولها هو بالفرنسية «la chaude des chaudes».

ليلة الأحد الماضي، كان البرنامج يستضيف عبر الهاتف مكالمة من شاب يتحدث عن صديقته التي صارحته بحبها له بعد أسبوعين من بدء علاقتهما العاطفية. وبمجرد ما أنهى المتدخل مكالمته حتى تدخلت ال «كلارا مورغان» ونصحت الشاب المتدخل نصيحة مباشرة ولا تلميح فيها، وقالت له «يجب أن تستغل الفرصة وتنام مع تلك الفتاة». وحسب هذه الخبيرة في أمور الجنس، فعلى الشباب والمراهقين أن يناموا مع صديقاتهم ابتداء من الأسبوع الرابع لبدء علاقتهم. وقد استعملت بالحرف الكلمة الفرنسية الأكثر ميوعة لوصف الفعل الجنسي وهي فعل « sauter ». وهي كلمة مبتذلة لا يمكن أن تسمعها في برامج الإذاعات الأوربية المراقبة بصرامة من طرف هيئات الاتصال السمعي البصري، خصوصا البرامج الإذاعية الموجهة للمراهقين والشباب، فبالأحرى أن تسمعها في برنامج على الهواء مباشرة في بلد مسلم ومحافظ كالمغرب.

ويبدو أن حرارة غشت قد أثرت كثيرا في الشاب «مومو» و إغرائه «كلارا مورغان»، ولم يعد الأمر مقتصرا على تحريض الشباب عبر الهواء على الفساد، وإنما تجاوزه إلى التحريض على الانحراف الجنسي. وهكذا فقد اقترحت المرأة «الأسخن بين كل الساخنات» عبر مايكروفون البرنامج ليلة الأربعاء الماضي على المنشط الناشط أن يمارس معها الجنس، وعندما انتبهت إلى ضيفه في الأستوديو عممت «كرمها» على الضيف أيضا ، وأبدت رغبتها في أن تمارس الجنس جماعيا معهما، لأنها تتوفر على مخرجين، كما قالت.

ولو أننا أردنا أن نسرد كل المكالمات والتدخلات التي ترد في الربع ساعة الأخير للبرنامج، والتي تدور كلها حول الدعوة لممارسة الجنس بكل أشكاله الشاذة، لاحتجنا لعشرات الصفحات حتى نوفي الموضوع حقه. وعلى كل حال فالسيد غزالي مدير الهيئة العليا للسمعي البصري لديه تسجيلات لكل حلقات البرنامج ويمكنه أن يعود لمراجعة «اللقطات القوية» لل «كلارا مورغان» المغربية وصديقها «مومو».

ولعل أخطر سلوك تشجع عليه مثل هذه البرامج هو الاستخفاف بالمستمعين والسخرية منهم ومن مشاكلهم. وكمثال على ذلك مكالمة سيدة من مراكش اتصلت لكي تحكي مشكلتها مع زوجها الأجنبي العجوز الذي لم تعد تشعر معه بالسعادة، فما كان من المنشط «مومو» سوى أن ينصحها باقتناء «فيبرور» من تلك «الفيبرورات» التي تستعملها بعض النساء لتلبية رغباتهن الجنسية. وأضاف ساخرا أن هذا الفيبرور يجب أن يكون قادرا على الدوران بـ360 درجة.

هذا دون أن نتحدث عن طبيعة المواضيع التي تناقش في هذه الفترة الساخنة من البرنامج، مثل حجم العضو الذكري، ومدى إعجاب «كلارا مورغان» بالأعضاء الذكرية كبيرة الحجم. أما تعابير مثل «نم معي» و«بلل ملابسي الداخلية» و«شكرا لأنك تثيرني جنسيا» و«هل تفضل من الأمام أم من الخلف»، فقد أصبحت تعابير محتشمة في البرنامج مقارنة مع ما يتم بثه على أمواج هذه الإذاعة التي كانت «كلارا مورغان» محقة عندما اقترحت على «مومو» أن يغير اسمها من «هيت راديو» إلى «هوت راديو»، نظرا لسخونة المواضيع الجنسية التي يثرثرون حولها.

هذه إذن نبذة مختصرة عن بعض المصائب الإذاعية الموجهة عبر الهواء مباشرة نحو أسماع الآلاف من المراهقين والشبان المغاربة في ساعات متأخرة من الليل، في إخلال تام بأخلاقيات المهنة ودفتر التحملات. وأعتقد أن الوقت قد حان لتسجيل وقفة من أجل تأمل حصيلة عمل الدفعة الأولى من تصاريح الإذاعات الخاصة، للوقوف على عثرات البدايات وتصحيح الأخطاء القاتلة التي تعرض مستمعي بعض برامج هذه الإذاعات، خصوصا من المراهقين والشباب، إلى الانحراف.

إن مسؤولية الإذاعات الخاصة في الإخبار ونشر ثقافة الحوار والاستماع إلى الآخر، وتوسيع هوامش حرية التعبير عبر مناقشة القضايا الحيوية للشباب، تبقى مسؤولية أساسية. فالإذاعات الخاصة لديها إمكانية الوصول إلى الخبر ونشره قبل الجرائد التي تحتاج إلى طبع، والتلفزيونات التي تحتاج إلى توضيب الصور والصوت. ولذلك فهي سيف ذو حدين، فإما أن نستعملها لتوعية المواطن وإخباره والترفيه عنه في احترام كامل لدفتر التحملات الذي تضعه الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وإنما أن نحيد به نحو الضفة الأخرى حيث المواضيع الجنسية المائعة، والإثارة الرخيصة اللاهثة وراء الربح المادي السريع عبر دفع المراهقين للمشاركة بالرسائل القصيرة عبر هواتفهم النقالة. والأخطر من ذلك، تحويل الحديث عن الجنس والممارسة الجنسية المنحرفة إلى موضوع للترفيه والسخرية.

إن خطورة بعض هذه البرامج الإذاعية هي كون بعضها يروج أحيانا لمحللين نفسانيين لديهم تصورات خاطئة عن المبادئ الأساسية للتربية. وقد صدمت عندما سمعت أحد هؤلاء الأطباء النفسانيين ينصح الآباء في برنامج بثته إحدى الإذاعات الخاصة بالدار البيضاء، بتلقين أطفالهم ابتداء من سنتهم الثالثة أسماء الأعضاء الجنسية بوضوح. وفي رأي سعادة الدكتور فمن الخطأ أن تقول لطفلك «خطفو ليك البرطال»، بل يجب أن تصارحه بأسماء الأعضاء الجنسية كما هي معروفة، يعني أن تقول له هذا قضيب وهذا فرج، وأن الجنين ينشأ بفعل تلاقي الاثنين. هذا الكلام يجب، حسب المحلل النفساني، تلقينه للطفل منذ الثالثة من عمره.

صراحة لا أعرف أين قرأ المحلل النفساني مبادئ التربية هذه، لكن العتب ليس عليه، بل على الذين أعطوه المايكروفون لكي يروج لهذه المبادئ.

وهذا ما يسمى في القانون المنظم للإذاعات بعدم القدرة على التحكم في البث. ومن لا يستطيع أن يتحكم في بث برنامجه المباشر فيجب أن يبحث له عن مهنة أخرى غير تنشيط برنامج مباشر. فليس النشاط ما يخص في هذه البلاد.

شوف تشوف - رشيد نيني :شامتا موتو بالسم

قبل أيام عممت شركة لوسيور كريسطال، التابعة لمجموعة «أونا»، إعلانا تشرح فيه سبب سحبها لزيوت غير صالحة للاستعمال من الأسواق. وجاء مدير الشركة بنفسه إلى نشرة أخبار القناة الثانية لكي يشرح بأن الخطوة التي قامت بها شركته تدخل في إطار الوقاية فقط، وأن الزيوت التي تم جمعها لا تحتوي سوى على نسبة ضئيلة من السموم، ولذلك فلا داعي للقلق. كل هذا باللغة الفرنسية من فضلكم، في بلد نصف سكانه الذين يستعملون زيوت الشركة يواجهون صعوبات في فهم اللغة العربية بسبب الأمية، فبالأحرى أن يفهموا الفرنسية.

وهذه الأيام تعمم جمعية محترفي صناعة الزيوت في المغرب بلاغا تزف فيه للرأي العام عودة الهدوء إلى سوق الزيوت بعد سحب الزيوت الفاسدة التي استوردتها الشركة من أوكرانيا عبر فرنسا.

إلى هنا يبدو الأمر عاديا، شركة عصرية ومواطنة تتواصل مع الرأي العام عندما يحدث مشكل يتعلق بالصحة العامة.

لكن دعونا ننبش في التفاصيل، حيث عادة تختفي الشياطين. فشركة لوسيور كريسطال لم تبادر إلى إعلان سحب زيوتها من الأسواق إلا بعدما اندلعت الأزمة في الأسواق الأوربية. وعندما كانت مصالح الوقاية الصحية بإسبانيا تجمع الزيوت الفاسدة من الأسواق كان المستهلكون المغاربة لا يزالون يشترون تلك الزيوت من الأسواق المغربية. وعندما اتسعت رقعة بقعة الزيت ووصلت إلى المغرب، نزل بلاغ الشركة ونزل مديرها في نشرة أخبار ليلة الأحد لكي يطمئن المستهلكين المغاربة بأن الزيوت التي تجمعها السلطات من الأسواق لا تشكل خطورة مباشرة على الصحة.

ولم يقل لنا سعادة المدير أن 5500 طن من الزيوت التي استوردتها الشركة خلال شهر فبراير من أوكرانيا عبر فرنسا، قد خضعت لتحاليل «المختبر الرسمي للتحاليل والأبحاث الكيماوية»( LOARC)
وقد أثبتت التحاليل التي خضعت لها الزيوت المست احتواءها على مكون كيماوي مسبب للسرطان اسمه benzo-a-pyréne بنسبة زائدة عن اللزوم.

نحن هنا أمام أمر من اثنين، إما أن المختبر الرسمي للتحاليل والأبحاث الكيماوية لم يسجل من خلال نتائج تحليله وجود هذه المادة الخطرة المسببة للسرطان في الزيوت المست، رغم أن عدد تحاليلها يصل إلى أربعين تحليلا، وإما أنه سجل حضورها ومع ذلك أعطى موافقته على نتيجة التقرير المخبري الذي يقول أن الزيوت المست مطابقة للمعايير الصحية المعمول بها في المملكة، وهي بذلك صالحة للاستهلاك.

وفي كلتا الحالتين فالأمر خطير فعلا. لأن عدم تسجيل تحاليل المختبر لوجود مادة مسببة للسرطان في الزيوت بنسبة غير طبيعية، شيء يدعو إلى التساؤل حول فعالية التحاليل التي يجريها المختبر. كما أن تسجيل تحاليل المختبر لوجود هذه المادة الخطرة في الزيوت التي أخضعها للتحاليل دون أن يمنع المختبر من تلقاء نفسه نزول الزيوت إلى الأسواق، أمر يثير المخاوف.

والحمد لله أن الضجة اندلعت في مختبرات أوربا حول هذه الزيوت الخطرة على صحة المستهلكين، لأنه لولا اندلاعها لبقيت الزيوت المسمومة تتجول في أسواقنا ومطابخنا بحرية.

على ممثلي الشعب في البرلمان ورؤساء جمعيات حماية المستهلك أن يفتحوا النقاش حول هذا الموضوع الحساس الذي يمس الصحة العامة للمغاربة. فالزيوت المست التي تحتوي على مادة benzo-a-pyréne ، والتي تنتمي إلى عائلة ما يسمى اختصارا HAP، أو (hydrocarbures aromatiquespplycyclique) تشترط فيها الدول الأوربية قبل تعميمها على المستهلكين أن لا يتجاوز وجود هذه المادة المسببة للسرطان داخلها نسبة غرامين داخل كل مليار غرام. مما يدل على خطورة هذه المادة على الصحة إذا ما تجاوزت النسبة القانونية المسموح بها.

أما بالنسبة لوزارة الصحة، القطاع الوصي على الصحة العامة للمغاربة، فيمكن أن نقول بأنها مثل الأطرش في الزفة. وقد رأينا كيف أن بعض الدول التي كانت تستورد الطاجين المغربي قد أطلقت صفارة الإنذار ضد هذا المنتوج ووضعته ضمن قائمة المواد الخطرة على الصحة والممنوع إدخالها إلى البلد. فبعد كندا هاهي أستراليا تقرر منع دخول الطاجين المغربي إلى أراضيها لاحتوائه على نسبة عالية من الرصاص.

وقد مرت عدة أيام على تلقي وزارة الخارجية المغربية لمراسلة مستعجلة من السلطات الأسترالية تخبرها فيها بأنها أجرت أبحاثا على الطاجين المغربي واكتشفت أنه يحتوي على كميات من الرصاص، وأنه مضر بالصحة ولا يجب استعماله.

في دولة تحترم مواطنيها وتحرص على سلامتهم الصحية أول شيء كانت ستقوم به وزارة الصحة عند سماعها بهذه المراسلة هو إصدار بلاغ إلى الرأي العام الوطني تخبرهم من خلاله بضرورة التوقف عن استخدام الطاجين المغربي في مطابخهم إلى حين ظهور نتائج البحث العلمي للوزارة.

وإذا ظهرت نتائج تعزز النتائج التي توصلت إليها السلطات الأسترالية فإن القرار يجب أن يكون حاسما، وهو تدمير كل الطواجين التي تدخل مادة «ليماي» في صناعتها، مع التفكير في تعويض مناسب تمنحه الدولة لصناع هذه الطواجين، وتعميم الخبر في كل وسائل الإعلام باللغة العربية والدارجة واللهجات الأمازيغية الثلاث. لأن أغلب مستعملي الطاجين المغربي يوجدون في المناطق القروية المحافظة على نظام طبخ تقليدي. وأغلب سكان هذه المناطق في الريف والأطلس والجنوب أمازيغ لا يفقه بعضهم العربية.

قبل سنوات كنت قد كتبت حول منع ألمانيا للبراد المغربي من دخول أراضيها للمشاركة في رواق وزارة الصناعة التقليدية المغربية للتعريف بالمنتجات الحرفية المغربية. والتهمة التي ألصقتها مصالح الجمارك بالبراد المغربي هي احتواؤه على نسبة عالية من الرصاص.

وهكذا فمن يقول أن حقبة سنوات الرصاص انتهت في المغرب فهو واهم، لأن ضحايا الرصاص في المغرب لازالوا يسقطون تباعا.
خصوصا إذا عرفنا خطورة الرصاص على النخاع الشوكي والعظام عموما.

ورغم ذلك لم تباشر المصالح الوقائية بوزارة الصحة أية حملة للتأكد من صحة الاتهامات الموجهة ضد أداة مطبخ لا يكاد يخلو منها أي بيت مغربي. فوزارة الصحة تكتفي فقط بإعطاء إحصائيات دورية للإصابات بداء السرطان والتي تعرف زيادات مخيفة في المغرب سنويا.

أما مصالح المراقبة الصحية بالجمارك المغربية والتي تتحمل مسؤولية إخضاع جميع المواد الغذائية التي يستوردها المغرب للتحاليل المخبرية، فتبقى مغلوبة على أمرها بسبب وجود مختبر واحد في المغرب كله تتقاسم مسؤوليته وزارة الفلاحة ووزارة الصحة بالدار البيضاء، ترسل إليه عينات من جميع المواد المست.

والخطير في الأمر أن مجموعة من مستوردي المواد الغذائية يلجؤون إلى استصدار تراخيص لإخراج بضاعتهم من الميناء، تفاديا للتأخير، في الوقت الذي تكون عينات من سلعتهم لازالت لم تخضع للتحاليل.
ومنهم من يلجأ إلى توزيع بضاعته في الأسواق حتى دون انتظار نتائج التحاليل.

وفي ميناء الدار البيضاء مثلا الكبار هم الذين يفرضون قانونهم على الصغار. وعندما قرر المغرب أن يفتح المجال للمستثمرين المغاربة لكي يستوردوا الإسمنت من الأسواق الخارجية، كشرت شركات الإسمنت الكبرى العاملة في المغرب عن أنيابها، خصوصا إذا عرفنا أن الإسمنت المستورد لا يتعدى ثمنه 700 درهم للطن مقابل 1000 درهم للطن بالنسبة للإسمنت المحلي. ففرض مالكوها الفرنسيون والبرتغاليون والإيطاليون على الدولة أن تمدد فترة «اعتقال» الإسمنت القادم من الخارج في الميناء لفترة تتراوح بين شهر وأربعين يوما، من أجل إخضاع البضاعة للتحاليل العلمية المطلوب. وهي المدة الكافية لكي تفسد أطنان الإسمنت المستورد على مهل. وإلى حدود الساعة هناك أكثر من مستثمر غامر برأسماله باستيراد الإسمنت واضطر في الأخير إلى رميه في البحر.

وهكذا فالكبار وحدهم في المغرب يفرضون قانونهم ويسهرون على تطبيقه، لحماية مصالحهم من «التسمم». أما المستهلكون الصغار فليس هناك من يهتم بمصالحهم وسلامتهم الصحية. وكأن هناك من يقول لهم
شامتا «موتو بالسم».

شوف تشوف - رشيد نيني : لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا نحن

قبل أسابيع عندما كتبنا حول اعتقال النظام الليبي لأم وأخ الخادم المغربي الذي يشتغل عند حنيبعل ابن العقيد القذافي، للضغط عليه حتى يسحب شكايته التي وضعها ضده في سويسرا بتهمة الضرب وسوء المعاملة، سارعت جرائد رسمية وأخرى تنتمي إلى جرائد الرصيف إلى شتمنا وإسماعنا دروسا مطولة حول الدبلوماسية السرية التي يختارها المغرب لحل أزماته مع الدول الأجنبية. واتهمني أحدهم، سامحه الله، بكوني صحافي معزة، أسوة بصحافي آخر كبير هذه المرة، بدرجة عمدة، اتهمني في جريدته بكوني مجرد جدي. ومن كثرة التسميات الحيوانية التي أصبحوا يطلقون لم نعد نتمنى عليهم سوى أن يتكرموا ويجتمعوا ويتفقوا فيما بينهم حول جنس حيواني واحد يطلقونه على هذا العبد الضعيف، هكذا لن يضيع قراؤهم، على قلتهم، بين أجناس حيوانية متنافرة في كل مرة يقررون تخصيص افتتاحية لشتمي.

المهم أننا عندما انتقدنا صمت الدبلوماسية المغربية وحيادها أمام مأساة تعرض لها مغربيان ووالدتهما على يد النظام الليبي، سمعنا دروسا طويلة حول طريقة اشتغال الدبلوماسية المغربية، وقد لخصها هؤلاء «الزملاء» مشكورين في السرية والفعالية. وبفضل هذه السرية والفعالية لازال الخادم المغربي في سويسرا تحت الحماية الأمنية السويسرية بعد أن اعتبرت الحكومة المغربية على لسان ناطقها الرسمي مشكلة هذا الخادم المغربي مشكلة سويسرية ليبية لا دخل للمغرب فيها. بينما لازال مصير الأم داخل المغرب مجهولا، أما ابنها الذي كان معتقلا معها في ليبيا فلا أحد يعرف هل عاد فعلا إلى المغرب أم أنه في مكان آخر. وبالنسبة للأم فالعثور على أسنان الدجاج أيسر من العثور على العنوان الذي تحتفظ بها فيه المخابرات المغربية، خوفا من اتصال الصحافيين بها لمعرفة روايتها حول حقيقة ما جرى لها ولابنها في ليبيا.

غير أنه بعد أيام قليلة من سماع كل هذه الدروس حول طريقة عمل الدبلوماسية المغربية السرية والفعالة، سنرى ما يؤكد لنا بالملموس أن الدبلوماسية المغربية لا تشتغل بكل تلك السرية التي تدعيها، والدليل على ذلــك أن مشكلا ذا طابع شخصي وقع في روما لعضو في مجلس المستشارين هو يحيى يحيى ينتمي لحزب الأصالة والمعاصرة لصاحبه فؤاد عالي الهمة، صديق الملك بالمناسبة، اضطرت معه الدبلوماسية المغربية إلى استدعاء سفيرها بروما تاج الدين بادو على عجل إلى المغرب. مما حول حادثا شخصيا بسيطا كان يمكن أن يحل بطريقة سرية وفعالة كما تروج الدبلوماسية المغربية عن طريقة اشتغالها، إلى أزمة سياسية بين المغرب وإيطاليا، أحد أكبر البلدان الأوربية المشغلة لليد العاملة المغربية.

استدعاء السفير في العرف الدبلوماسي هو آخر مرحلة يتم اللجوء إليها قبل قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة ما. والمغرب استدعى سفراءه في أكثر من بلد وأكثر من أزمة أشهرها أزمة جزيرة ليلى التي بقي فيها السفير المغربي بمدريد رهين وزارة الخارجية بالرباط إلى أن سقطت حكومة أزنار ودخل زاباطيرو قصر المونكلوا. وآخرها استدعاء المغرب لسفيره في السنغال على إثر تصريح مساند للبوليساريو أعطاه زعيم الحزب الاشتراكي السنغالي لإحدى الجرائد. هذا طبعا دون أن نرجع قرونا إلى الوراء ونتحدث عن قطع المولى إسماعيل لعلاقاته الدبلوماسية مع فرنسا لأن ملكها لويس الرابع عشر رفض تزويجه ابنته المصونة.

ولعل هذه هي أول مرة في تاريخ الدبلوماسية المغربية يتم استدعاء السفير للتشاور بسبب نزاع شخصي يتسبب فيه مستشار في مجلس النواب. والحكاية كلها بدأت حسب ما نشرته وكالة «أنزا» الإيطالية، عندما دخل يحيى يحيى في مشادة كلامية مع زوجته بأحد المطاعم بساحة «فيا فينيتو» الراقية بروما، وبعد ذلك سيغادر يحيي يحيى المطعم وسيتحرش بسائحة أجنبية. وعندما جاءت الشرطة لاعتقاله في فندقه قاومهم واعتدى على أحدهم بالضرب.

عائلة المستشار لديها رواية أخرى للأحداث، وهي أن المستشار المغربي يدفع ثمن مواقفه السياسية، خصوصا مطالبته باستقلال سبتة ومليلية، وأن مصالح الاستخبارات الإسبانية نصبت له كمينا بمساعدة الأمن الإيطالي، وهكذا تم اعتقاله والحكم عليه بخمسة عشر شهرا سجنا. قبل أن تقرر إطلاق سراحه يوم أمس. كما أن يحيى يحيى نفسه لديه روايته الخاصة للأحداث، بحيث يتهم سائحتين برازيليتين بسرقة مبلغ مالي من جيبه عندما كان في أحد المراقص الليلية، وعندما فطن للأمر وقعت مشادة بينه وبينهما لاسترداد نقوده، وهكذا وجد نفسه بين يدي الأمن.

ومهما يكن فإن قضية المستشار يحيى يحيى لم تكن تستدعي من الدبلوماسية المغربية استدعاء سفيرها في روما إلى الرباط، وبالتالي تعطيل المصالح الاقتصادية بين البلدين كل هذه المدة. ضاربة عرض الحائط بأسلوب السرية والفعالية اللذين تفتخر بامتلاكهما. لأن الحكاية كلها تتعلق بمشكل شخصي وليس سياسيا أو دبلوماسيا.

السلطات القضائية الإيطالية لديها كامل الصلاحية لتطبيق القانون والحرص على المحافظة على الأمن العام، بدون تمييز وبدون الخضوع لأية سلطة سياسية خارجية، مثلما يحدث عندنا في المغرب.

والمصالح الدبلوماسية المغربية في روما مطالبة بتوفير حقوق الدفاع للمواطنين المغاربة في حالة مطالبتهم بها، بغض النظر عن كونهم سياحا يحملون بطاقة برلماني أو وزير أو مجرد مهاجر يكدح بعرق جبينه لكي يوفر لعائلته خبزها اليومي. مثل ذلك الخادم المغربي الذي غادر عمله كمستخدم في فندق مغربي للعمل كخادم في «حظيرة» حنيبعل القذافي، فوجد نفسه قد تحول إلى عبد يتسلى ابن الرئيس الليبي المدلل بتعذيبه بحد السكين، ويجبره على العمل بدون توقف، بينما تتكفل زوجته «ألين»، ملكة الجمال يا حسرة، بتعذيب الخادمة التونسية بقضبان الحديد.

تصرف بلدان العالم الثالث الرسمي عندما يقترف مواطنوهم المدللون مخالفات يجرمها القانون على أرض دول ديمقراطية، تبدو مثيرة للخجل. وهكذا كان قرار العقيد معمر القذافي بعد علمه باعتقال ومتابعة ابنه وزوجة هذا الأخير بتهمة تعذيب خادمين، هو اعتقال مواطنين سويسريين في طرابلس وإلباسهما تهمة الهجرة السرية، وأترك لكم عناية تصور سويسري «حارك» فليبيا. مع أنني أعرف أن أخصبكم خيالا لن يستطيع حتى تخيل هذه المعادلة. ثم سارع إلى اعتقال والدة وأخ الخادم المغربي اللذين كان يعيشان في ليبيا. ثم قطع إمدادات النفط عن سويسرا، قبل أن ينبهه ولده إلى أن سفن الشركة التي تحمل النفط إلى سويسرا تقع ضمن ممتلكاته، فعاد العقيد وسمح لسفن ابنه أن تبحر بالنفط الليبي إلى سويسرا. ثم قرر سحب أمواله من بنوك سويسرا، قبل أن يفطن إلى أنه لن يجد مكانا آخر يودعها فيه، فتركها في مكانها.

وفي الوقت الذي كان على القوى التقدمية في المجتمع الليبي أن تستغل هذه الفرصة وتطالب الرئيس معمر القذافي بإعطاء تفسيرات للشعب الليبي عن سبب وجود كل هذه الثروات الليبية في أرصدة بنكية بسويسرا، وعن أسماء مالكيها، خرج المئات من الليبيين يحتجون ويطالبون رئيسهم بسحب ثرواته من بنوك هؤلاء السويسريين عقابا لهم على تشددهم وصرامتهم في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

وهذه أول مرة نرى مواطنين يشجعون رئيسهم على امتلاك أرصدة بنكية في الخارج، ويطالبونه باستعمالها للضغط الدبلوماسي، عوض مساءلته حول طرق حصوله عليها ومطالبته باستعادتها لخزينة الدولة واستثمارها في ليبيا.

أما عندنا فرد فعل الدبلوماسية المغربية على اعتقال مستشار برلماني اتهمه القضاء الإيطالي بتجاوز القانون، كان هو خلق أزمة دبلوماسية بين المغرب وإيطاليا واستدعاء السفير وتعطيل المصالح الاقتصادية بين البلدين. وآخر تصرف دبلوماسي متخلف هو ذلك الموقف الذي عبر عنه فيديل كاسترو قبل أمس الذي غادر سرير مرضه فقط لكي يدين قرار اللجنة الأولمبية الدولية القاضي بتوقيف لاعب التايكواندو الكوبي الذي اعتدى بالضرب على الحكم شاكر شلباط السويدي من أصل مغربي وهدده بالقتل. ويبدو أن الرفيق فيديل كاسترو كان ينتظر من اللجنة الأولمبية أن توشح صدر بطله الكوبي بميدالية ذهبية جزاء له على ركله للحكم المغربي، وليس توقيفه مدى الحياة، ولذلك وصف اللجنة الأولمبة ولجنة التحكيم بأنها «تنهج استراتيجيات المافيا».

وما يجمع بين التصرف الليبي والمغربي والكوبي هو كونهم تصرفوا جميعا بعقلية تنتمي إلى العالم الثالث. عقلية لا تريد أن تفهم أن الدول الديمقراطية يسري فيها القانون على الجميع وبدون استثناء، سواء تعلق الأمر بابن الرئيس أو بمجرد خادم. فوجود رشيدة داتي على رأس وزارة العدل الفرنسية لم يمنع القانون الفرنسي من إرسال أخيها إلى السجن، بل وتشديد العقوبة عليه. ووجود ساركوزي على رأس الجمهورية الفرنسية لم يمنع القضاء من متابعة ابنه عندما صدم بدراجته النارية مهاجرا مغربيا. وحتى برلسكوني رئيس الحكومة الإيطالية لديه من القضايا أمام القضاء الإيطالي ما ليس لجميع المستشارين المغاربة أمام القضاء المغربي.

وما لا يريد أن يفهمه البعض في دول عالمنا الثالث المتخلفة، هو أن القضاء في الدول الديمقراطية مستقل عن جميع التأثيرات السياسية والدبلوماسية والمالية. وهذا أحد أهم أسباب تقدم هذه المجتمعات، وأحد أهم أسباب بقائنا نحن في مؤخرة الترتيب العالمي للتنمية.

شوف تشوف - رشيد نيني : تذكر

وأنت تجرجر خطواتك بكسل نحو الحمام في الصباح لكي تغسل أسنانك تاركا للمياه أن تنهمر من الصنبور، تذكر أن غيرك يخرج منذ الفجر ويسير لساعات طويلة لكي يقف في صف طويل أمام الآبار و السواقي بانتظار دوره للحصول على قطرة ماء.


وأنت تدير مفتاحك في قفل باب فيلتك الحديدي المصفح، تذكر أن غيرك مازال بلا بيت، ومازال يسند باب كوخه بالمكنسة.


وأنت تملأ حوض السباحة في إقامتك الفارهة تحسبا لضيوف مفاجئين، تذكر أن غيرك يملأ الأسطل وأواني الغسيل تحسبا لعطش مفاجئ .


وأنت تدخن سيجارك الكوبي الفاخر، تذكر أن غيرك يحاول توفير ثمن ما تدخنه لكي يستطيع اقتناء أنبوب الفونطولين لأطفاله المصابين بالربو.


وعندما تختنق أنت بسبب الضحك وأنت تسمع نكتة سخيفة وتغرورق عيناك من القهقهة في سهراتك الليلية، تذكر أن غيرك يختنق في سهره الليلي بسبب السعال، وتغرورق عيناه بالدموع عندما لا يجد ما يخفف به عن فلذات كبده المحترقة.


وأنت تشتري الخبز الفرنسي المستورد من مخبزة "شي بول" الأنيقة، تذكر أن غيرك يسخن خبز الأمس اليابس.


وأنت تحمل أطفالك بين ذراعيك لتنزل بهم إلى حديقة الألعاب ليقضوا نهاية أسبوع سعيدة، تذكر أن غيرك يحمل أطفاله بين ذراعيه أيضا ويقف بهم أمام أبواب المستشفيات الموصدة بانتظار حقنة أو أسبيرين.


وأنت تدهن جسمك بالمرهم تحت الشمس فوق رمال الشواطئ البعيدة لتنتزع لحظة ممتعة، تذكر أن غيرك يقف تحت الشمس أيضا بجسد مدهون عن آخره بالعرق لينتزع رغيف الخبز لأبنائه.


وأنت تدفع ألف درهم لكي تدخل سهرة وتلتقط صورة مع مطربك المفضل، تذكر أن غيرك يوفر المبلغ نفسه لشهور طويلة لكي يلتقط لأطفاله صورا إشعاعية على الصدر.


وأنت تفتح ثلاجتك في المطبخ لكي تأخذ مبردا، تذكر أن غيرك يفتح باب الفرن لتلفحه نيران الحطب التي تنضج خبز الجيران.


وأنت تنتظرين أبنائك لكي يعودوا في هذه العطلة من الدول البعيدة حيث يدرسون، تذكري أن أمهات كثيرات غيرك ينتظرن فقط هاتفا من أبنائهن الذين هجروا الوطن على ظهر مركب في ليلة مظلمة.


وأنت تبكين لأنك تودعين ابنتك الذاهبة للعيش مع زوجها في بلاد أخرى، تذكري أن أمهات غيرك يبكين وهن يودعن بناتهن الذاهبات إلى المدينة ليشتغلن خادمات في بيوت الآخرين.


وأنت ترمي بقايا الأكل في القمامة، تذكر أن غيرك مازال عندما يعثر على كسرة خبز مرمية في الطريق يحملها بين راحتيه ويقبلها ثم يدسها في ثقب على الجدار ويمضي مرتاح البال.


وأنت تخطط داخل سيارتك المصفحة لكي تصل إلى منصب مرموق، تذكر أن غيرك يخطط فقط داخل حافلة حقيرة لكي يصل إلى بيته سالما وبأطرافه كاملة.


وأنت تسقي حديقة بيتك الصغيرة كل مساء، تذكر أن غيرك يقف وسط حقله كل صباح ويرفع عينيه إلى السماء باحثا عن أثر للغيوم، بينما دموعه تسقي لحيته المطرزة بالشيب.


وأنت تفكر في ماذا ستصنع هذه الليلة لترفه عن نفسك، تذكر أن غيرك يفكر في ماذا سيصنع هذه الليلة إذا فاجأ المخاض زوجته وليس في جيبه ما يدفعه لمصحة الولادة.


وأنت تشعر بالغضب لأن ابنتك أصبحت تدخل إلى البيت متأخرة، تذكر أن غيرك لم يعد يشعر سوى بالأسى منذ غادرت كل بناته البيت ليحترفن النوم في بيوت الغرباء.


وأنت تصوب بندقيتك نحو الطيور في نزهة قنص عندما تريد أن تنفس عن قلبك، تذكر أن غيرك يصوبون نحو جسده عصيهم في الشوارع عندما يريد أن ينفس عن وضعيته بالاحتجاج.


وأنت تشكو من ضيق موقف سيارتك، تذكر أن غيرك يشكو من ضيق التنفس.


وأنت تبكي لأن عشيقتك تركتك في أجمل سنوات العمر، تذكر أن غيرك يبكي لأن الوطن تخلى عنه في أحلك أوقات العمر.


وأنت تستعد للنوم، تذكر أن غيرك يستعد للأرق.


وأنت تفتح عينيك في الصباح، تذكر أن غيرك تبقى عيناه مغلقتان إلى الأبد.


وأنت تستجمع قواك وتنهض من الفراش، تذكر أن غيرك ليست له قوى يجمعها ويبقى رهين فراشه لبقية العمر.


وأنت تنظر في الصباح من خلال النافذة لترى العالم وتقول لجارك صباح الخير، تذكر أن غيرك يحاول أن ينظر فلا يرى سوى الظلمة ويحاول أن يتكلم فلا تخرج من فمه كلمة واحدة.


وأنت تحار أمام واجهات المتاجر الراقية أي هدية يمكن أن تشتري لزوجتك، تذكر أن غيرك يحار وهو يقف أمام باب منزله أي مفاجأة تعيسة يمكن أن يزفها أولا إلى زوجته، مفاجأة طرده من العمل أم مفاجأة طردهم معا من البيت.


وأنت تندب حظك لأنك لم تصبح بعد كل هذا الوقت وزيرا، تذكر أن غيرك يندب حظه لأنه لم يصبح بعد كل هذا العمر فقط مواطنا في نظر حكومته.


وأنت تتوقف بسيارتك في الشارع لتلتقط فتاة من الرصيف، تذكر أن هذه الفتاة التعيسة كان يمكن أن تكون، بقليل من سوء الحظ، ابنتك أو أختك.


وأنت تعطي الأوامر بضرب شاب يحتج على وضعيته البائسة، تذكر أن هذا الشاب كان يمكن أن تكون أنت لو أنك أتيت في وقت آخر.


وأنت مزهو بسيارة أبيك وبمنصب أبيك و باسم أبيك، تذكر أن غيرك قد دفن أباه منذ وقت طويل وخرج إلى الحياة يصارعها بذراعيه العاريتين، وكل الزهو الذي يشعر به هو عندما يقولون له من أنت، فيجيبهم باسمه الشخصي وليس العائلي.


وأنت تنظر باحتقار لطوابير المتسولين من وراء زجاج سيارتك الوزارية، تذكر وجوههم جيدا. فغدا قد تأتي بدورك لطرق أبواب بيوتهم و لتتسول أصواتهم.


وأنت تقرأ هذا الكلام تذكر أن كثيرين غيرك لا يستطيعون القراءة، لأنهم عوض أن يعلموهم حروف الهجاء علموهم فقط حروف الطاعة والولاء...


عمود "شوف تشوف" جريدة المساء العدد:400 الأربعاء 02 يناير 2008